الخميس، 24 أكتوبر 2013

شروط وموجبات الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد

شروط وموجبات الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد

                                                                                                                                                    القاضي أحمد الأشقر

أصدرت محكمة جرائم الفساد في فلسطين عددا من الأحكام القضائية بإدانة متهمين في جرائم الفساد، وقد قضت هذه المحكمة في العديد من القضايا بإعفاء المتهمين من العقوبة بعد إدانتهم بالتهم المسندة لهم وذلك عملا باحكام المادة 25 فقرة 2 من قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقرار بقانون رقم (7) لسنة 2010، ولعل مسألة الإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد على وجه الخصوص قد تثير الرأي العام حول موجباتها، لاسيما أن المجتمع يرغب في إشباع شعوره في العدالة من خلال إستيفاء حق المجتمع في معاقبة الفاسدين المدانين، وهذا ما يطرح تساؤلات حول جدوى الإعفاء من العقوبة في جرائم وموجباته ودوافعه التشريعية والقضائية، الأمر الذي يتطلب أن يتم توضيح ذلك من خلال قراءة السياسية التشريعية التي دفعت المشرع للإباحة التشريعية بالإعفاء من العقوبة في جرائم الفساد وشروط هذا الإعفاء.
بداية لابد من الإشارة إلى أن قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 قد أباح الإعفاء من العقوبة في العديد من المواد التجريمية الواردة فيه، منها الإعفاء من عقوبة الرشوة عملا بأحكام المادة 172/2 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، والإعفاء من الجرائم الواقعة على أمن الدولة عملا بأحكام المادة 109/1 من ذات القانون، وإعفاء من يمتثلون لأوامر الضابطة العدلية عملا بأحكام المادة 166 من ذات القانون، وقد أوردالمشرع هذه النصوص بإعفاء مرتكبيها من العقاب انطلاقا من دوافع متعددة مثل حماية القيم المجتمعية والسلم الأهلي أو تسهيلا للكشف عن مرتكبي الجرائم.
وعلى مستوى جرائم الفساد، نصت  المادة (25/2) من قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقرار بقانون رقم (7) لسنة 2010 على أنه "يعفى من العقوبة المقررة في هذا القانون كل من بادر من الجناة بإبلاغ الهيئة عن جريمة فساد قبل علمها بها أو أي من السلطات المختصة، فإذا حصل الإبلاغ بعد العلم بالجريمة تعين للإعفاء أن يكون من شأن الإبلاغ ضبط باقي الجناة، والأموال محل الجريمة" ، وفي هذا السياق تكمن الحكمة التشريعية وموجبات الإباحة بإعفاء المدانين من العقوبة بجرائم الفساد في رغبة المشرع بتسهسل الكشف عن هذه الجرائم نظرا لطبيعتها الخاصة ،وسريتها الشديدة، وصعوبة اكتشافها وكذلك صعوبة الحد من تأثيراتها لاسيما في الجانب المتعلق باستراد الأموال العامة محل الجريمة، لذلك نجد أن المشرع قد نص على الإعفاء من هذه العقوبة في محاولة لاستمالة الجناة للكشف عن جرائمهم، أو جرائم شركائهم، أو تسهيلا للكشف عن معلومات تؤدي بالنتيجة عن التوصل لجناة آخرين أو لاسترداد الأموال المنهوبة.
وهكذا تبدو موجبات الاعفاء من العقوبة في جرائم الفساد كامنة في الهدف العام من وراء إقرار قوانين مكافحة الفساد والتي تستهدف بالأساس مكافحة الفساد والتخفيف من آثاره على الأموال والإدارة العامة حيث لا يقتصر هدف التشريع بتحقيق الردع والزجر العقابي فقط، وإنما بإيجاد السبل وتوفير المعالجات التشريعية لمكافحة الفساد،  لذلك أوجد المشرع أسلوبا دافعا لمكافحة الفساد من خلال حث الجناة  على الكشف عن جرائمهم وتقديم المعلومات للجهات المختصة، وهذا ما يؤدي بالنتيحة إلى تحقيق مقاصد المشرع من وضعه لقوانين مكافحة الفساد، وقد جرت على هذا الاتجاه أغلب قوانين مكافحة العربية ومنها قانون هيئة مكافحة الفساد الأردني رقم (62) لسنة 2006  الذي أعفى من ثلثي العقوبة في جرائم الفساد وذلك بموجب المادة 27/أ منه والتي نصت على أنه "يعفى من ثلثي العقوبة كل من كان فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو محرضاً في جريمة فساد قدم للهيئة أو للسلطات المختصة معلومات أو أدلة أو بينات أدت إلى استرداد الأموال المتحصلة عن الفساد"
كما أن هذا التوجه يتفق مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد  والتي نص في المادة 37 منها على:
1-      تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة لتشجيع الأشخاص الذين يشاركون أو شاركوا في ارتكاب فعل مجرّم وفقا لهذه الاتفاقية على تقديم معلومات مفيدة إلى السلطات المختصة لأغراض التحقيق والاثبات، وعلى توفير مساعدة فعلية محددة للسلطات المختصة يمكن أن تسهم في حرمان الجناة من عائدات الجريمة واسترداد تلك العائدات.
2-     تنظر كل دولة طرف في أن تتيح، في الحالات المناسبة، إمكانية تخفيف عقوبة المتهم الذي يقدم عونا كبيرا في عمليات التحقيق أو الملاحقة بشأن فعل مجرّم وفقا لهذه الاتفاقية.
3-    تنظر كل دولة طرف في إمكانية منح الحصانة من الملاحقة القضائية، وفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لأي شخص يقدم عونا كبيرا في عمليات التحقيق أو الملاحقة بشأن فعل مجرّم وفقا لهذه الاتفاقية.
وإذا كان المشرع  الفلسطيني قد انتهى من حيث المبدأ إلى جواز الإعفاء من العقوبة المقررة في لجريمة الفساد، فإن هذه الجوازية مقيدة بشروط محددة تحديدا تدقيقا ليصار إلى إعفاء الجاني من العقوبة وجوبا عند توافر هذه الشروط، ويمكن بيان هذه الشروط من خلال استقراء مقاصد المشرع في (25/2) من قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقرار بقانون رقم (7) لسنة 2010 ويمكن إجمالها بالتالي:
1-    الإعفاء يجب أن يكون بعد صدور الحكم بالإدانة: ومؤدى ذلك أن الاعفاء من العقوبة لا يعني وقف الملاحقة، إذا ان الملاحقة الجزائية  وتحريك الدعوى الجزائية واجبة مواجهة المتهم وان الإعفاء يكون بعد صدور الحكم.
2-    الإعفاء يجب أن يكون بحكم قضائي: ومؤدى ذلك أن إعفاء الجاني يجب أن يصدر عن الهيئة القضائية المختصة وليس عن أية جهة أخرى، وهذا يعني أن لهذه المحكمة وحدها دون غيرها البحث في مدى تحقق الشروط الموجبة للإعفاء ليصار إلى تقرير ذلك في متن الحكم القضائي إن ثبت للمحكمة توافر هذه الشروط.
3-    الإعفاء من متعلقات النظام العام: ومؤدى ذلك أن للمحكمة أن تثيره وأن تحكم به من تلقاء نفسها حال توافر شروطه لأنّ نص المادة(25/2) من قانون مكافحة الفساد رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقرار بقانون رقم (7) لسنة 2010  قد جاء آمرا وليس جوازيا.
4-    يجب أن يبادر الجاني إلى إبلاغ هيئة مكافحة الفساد عن جريمة فساد قبل علم الهيئة بها أو علم  أي من السلطات المختصة: ومؤدى ذلك أن الجاني يجب أن يقوم من تلقاء نفسه وقبل ان تكون الهيئة أو أية جهة مختصة كأفراد الضابطة القضائية أو الجهات الإدارية المتخصصة قد باشرت في جمع الاستدلالات او التحقيق أو جمع الأدلة وغيرها من الإجراءات الكاشفة عن الجريمة، وهذا يقود إلى القول أن مباشرة الهيئة جمع الاستدلالات والتحري والسؤال أودعوة المشتبه به او تقدم أحد ما بشكوى أو إخبار يعتبرا  فعلا مسقطا للإعفاء من العقوبة، ذلك أن المشرع منزه عن اللغو والعبث حين وضع عبارة (العلم)، وهذا يفترض أن يكون العلم سابق على مباشرة التحري وجمع الاستدلالات أوقيام الدليل او انتهاء التحقيقات أومباشرة تحريك الدعوى،  وعلى ذلك فإنه لا يتوجب الإعفاء من الجريمة إذا ما اعترف المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة أو الهيئة بعد استجوابه أو سؤاله، تجد الإشارة إلى أنّ محكمة جرائم الفساد قد أصدرت حكما بإعفاء أربعة متهمين من عقوبة جريمة الرشوة وذلك بسبب اعترافهم بالجرم المسندة لهم قبل إحالة القضية إلى المحكمة، وذلك سندا للمادة 172/2 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، وهذا اتجاه نقره لأن نص المادة المذكورة واجب التطبيق كونه ينظم إجراءات الملاحقة بجريمة الرشوة على وجه الخصوص ولكونه يعتبر احد تطبيقات القانون الأصلح للمتهم.
5-     إذا حصل الإبلاغ بعد العلم بالجريمة تعين للإعفاء أن يكون من شأن الإبلاغ ضبط باقي الجناة، والأموال محل الجريمة، ويلاحظ في هذا السياق أن المشرع لم يشترط أن يحقق إبلاغ الجاني عن الجريمة قبل علم الهيئة الكشف عن جناة آخرين أو الأموال محل الجريمة، وإنما يكتفى بمجرد الإبلاغ، إلا أن المشرع اشترط وعلى وجه التحديد ان يحقق الإبلاغ بعد علم الهيئة نتيجة مؤداها الكشف عن جناة آخرين أو الأموال محل الجريمة، فإذا كانت الجريمة ليست واقعة على أموال أو أن الأموال مضبوطة لدى الهيئة فإنه لا وجه لإعفاء الجاني في هذه الحالة لاسيما إذا لم يكن له شركاء في الجريمة يمكن له الإبلاغ عنهم.




السبت، 19 أكتوبر 2013

جلسة المحكمة ( تقدير جدية الدفع بعدم دستورية نص المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر)






قرار محكمة صلح رام الله بشأن تقدير جدية الدفع بعدم دستورية نص المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر رقم 9 لسنة 1995


دعوى جزاء صلح رام الله رقم : 1231/2012

الهيئة الحاكمة : القاضي أحمد الأشقر
كاتب الضبط : أيمن زهران
حضر وكيل النيابة العامة الاستاذ أحمد الريشة.
لم يحضر ممثل عن الجهة المشتكية جامعة النجاح الوطنية م،ح وحضر وكيله المناب بموجب إنابة معطوفة على وكالة الاصيل المضمومة إلى اوراق هذه الدعوى شوهدت وضمت حسب الاصول و القانون
حضر ممثل عن الجهة المتهمة موقع وطن للإعلام م،ع،ن وحضر وكيلها الاستاذ داود درعاوي بموجب وكالة خاصة من السابق

بوشر بالمحاكمة علنا
قرار
بعد التدقيق في أوراق هذه الدعوى، تجد المحكمة أن الدفع  الذي تقدم به وكيل الجهة المتهمة ينصب على شبهة عدم الدستورية في نص المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر رقم 9 لسنة 1995 مبينا أن وجه المخالفة  الدستورية المشتبه بها  ينصرف إلى عدوان نص هذه المادة على القواعد الدستورية في المنصوص عليها في المواد15 و19 و27 من القانون الأساسي الفلسطيني ملتمسا بالنتيجة وقف السير في الدعوى وتأجيلها لتمكينه من التقدم بدعوى دستورية لدى المحكمة العليا الموقرة بصفتها الدستورية، وفي هذا تجد المحكمة أن دورها يقتصر على تحديد مدى جدية هذا الدفع الدستوري الفرعي عملا بأحكام المادة 27/3 من قانون المحكمة الدستورية والنافذ ليصار إلى التقرير في هذا الدفع وفق ما تمليه أحكام هذه المادة، وبالتدقيق في الوقائع الثابتة والمستمدة من أوراق هذه الدعوى ومن حيث السند في القانون تجد المحكمة ما يلي:


·        إن الدفع الذي أثاره وكيل الدفاع قد وقع في مغالطة قانونية بأن جاوز تخوم لائحة الاتهام التي تحدد نطاق الخصومة الجزائية حين افترض تهمة غير مسندة بالأساس لمدير موقع وطن للإعلام" م،ع،ن الذي اقتصر حضوره جلسات المحاكمة بصفته ممثلا للجهة المتهمة وليس بصفته الشخصية كمتهم في الدعوى، إذ أن النيابة العامة لم تُسند للسيد "م، ع، ن" أية تهمة لا بصفته الشخصية ولا بصفته رئيسا للتحرير، وأن التهمة المسندة في لائحة الاتهام قد وجهت إلى "موقع وطن للإعلام " وحده دون غيره، حيث انصب دفع وكيل الجهة المتهمة على اعتبار أن رئيس التحرير أو مدير الموقع متهما في هذه الدعوى، وهذا يجانبه الصواب وفق ما تستدل عليه المحكمة من منطوق ووقائع لائحة، ذلك أنّ مدير الموقع المذكور كان حاضرا جلسات المحاكمة بصفته ممثلا عن الشخص الاعتباري الذي يديره ولا يعتبر حضوره وهذه الحالة  بمثابة توجيه اتهام وإنما تقتصر المسؤولية الجزائية وهذه الحالة على الهيئة المعنوية على فرض ثبوت التهمة سندا لنص المادة 74 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، ومؤدى ذلك كله أن جدية الطعن الدستوري الخاضع لتقدير هذه المحكمة ينصرف إلى استقراء مدى وقوع الضرر الشخصي على من سيطبق عليه النص المطعون بدستوريته، ذلك أنّ الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين يمسهم الضرر من جراء سريان النص المطعون فيه عليهم، سواء أكان هذا الضرر وشيكا يتهددهم، أم كان قد وقع فعلا  يتعين دوما أن يكون هذا الضرر منفصلا عن مجرد مخالفة النص المطعون عليه للدستور، مستقلا بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنا تحديده ومواجهته، ولا يتصور على ضوء ذلك أن تكون الدعوى الدستورية أداة يعبر المتداعون من خلالها عن آرائهم في الشئون التي تعنيهم بوجه عام، أو أن تكون نافذة يعرضون منها ألوانا من الصراع بعيدا عن مصالحهم المباشرة في الدعوى، وحيث جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا المصرية على أن المصلحة الشخصية المباشرة شرط لقبول الدعوى الدستورية، وأن مناطها يكون بوجود ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، بأن يكون الحكم في الطعن الدستوري لازما للفصل في النزاع الموضوعي (أنظر، قضية رقم 8 لسنة 16 قضائية المحكمة الدستورية العليا المصرية، 5 أغسطس 1995) وحيث تجد هذه المحكمة أن لا ارتباط بين النص المدفوع بعدم دستوريته وهو المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر النافذ ومصلحة المتهم من الحكم بعدم دستوريته هذا فإن الطعن والحالة هذه يكون فاقدا الجدية لعدم اتصاله بالأساس الموضوعي والشخصي للدعوى الجزائية مما يتعين رده من هذه الناحية.

·        إنّ الدفع المثار لم يتطرق إلى شبهة عدم الدستورية لنصوص المواد المسندة للجهة المتهمة، ولا إلى تلك النصوص التي يمكن أن تكون لازمة للفصل بالدعوى، وهذا ما لا يستنهض ولاية هذه المحكمة للتقرير بجدية هذا الطعن أو الجنوح إلى التقرير بإحالة هذه الدعوى إلى المحكمة العليا الموقرة بصفتها الدستورية عملا بأحكام المادة 27/2 من قانون المحكمة الدستورية النافذ،  ذلك أن النيابة العامة لم تجنح إلى إسناد أي وصف للجهة المتهمة أو من يمثلها استنادا إلى نص المادة 12من قانون المطبوعات والنشر المطعون بدستوريتها، وإنما اقتصر التجريم على المادة 358 بدلالة المواد 188 و 198 من قانون العقوبات، كما أن لائحة الاتهام لم تشر إلى مسؤولية رئيس التحرير أو مدير الموقع إعمالا لأحكام المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر او غيرها من النصوص ذات الصلة، وفي هذا تجد المحكمة أن الدفع المثار  لا يتسم بالجدية لعدم اتصال المادة 12 التي أثير الدفع بعدم دستوريتها بما هو مسند للجهة المتهمة أو من يمثلها، ولما كانت الخصومة في الدعوى الدستورية عينية بطبيعتها ومناطها اختصام النص التشريعي المطعون فيه استهدافًا لمراقبة مدى دستوريته وانضباطه داخل أطر الشرعية الحاكمة على هدى من أحكام القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 باعتباره الوثيقة الدستورية النافذة ويتعين على إثر ذلك استواء التشريعات جميعها على مرفئ هذا الدستور على قاعدة سموه، ولغايات تحقق مقصد المشرع الدستوري من ذلك، وحتى تتبين هذه المحكمة  مدى جدية الدفع بعدم الدستورية فإنها ملزمة بأن تتحرى ماهية النص التشريعي المطعون فيه والذي يعتبر بمثابة موضوع الخصومة الجزائية وهو ما يجب أن يتضح جليا بلائحة الاتهام ومحلها، فتنصرف إليه، وتتحدد بنطاقه ،وتدور معه، وهو ما يجب أن ينشده وكيل المتهم في هذه الدعوى من التماسه إعمال المادة 27/3 من قانون المحكمة الدستورية النافذ مستهدفا كما هو مفترض إسقاط هذا النص التشريعي الذي يُخشى أن يطبق على المتهم منتهكا لحقوقه الدستورية قاصدا بالنتيجة تحقيق مصلحة الجهة المتهمة ليصار إلى اعتبار دفعه جديا وهو مالم يتوفر في دفعه بعدم دستورية المادة 12من قانون المطبوعات والنشر التي لم تسند للمتهم ولم تدور في فلك لائحة الاتهام  ولم تشكل مادة تجريمية معتبرة لتجري المحاكمة على أساسها، وأشير هنا إلى ما  قررته محكمة التمييز الأردنية بتاريخ 7/11/2012 بشأن جدية الطعن المقدم لدى محكمة صلح العقبة رقم  بالقضية رقم 781/2012 حين أكدت " أنّ من شروط إحالة الطعن أن يكون للطاعن مصلحـة في طعنـه، من حيث استبعاد القانون المطعون به من الدعوى وأن تكون أسباب الطعن جديـة" وهذا ما ينسحب على وقائع هذه الدعوى حيث لم يستهدف وكيل الجهة المتهمة من دفعه تحقيق مصلحة الجهة المتهمة لأنّ لائحة الاتهام ووقائعها خلت من وجود مسؤولية جزائية على الناشر أو مدير الموقع أو المحرر أو رئيس التحرير مع التأكيد على انه لا يجوز لهذه المحكمة افتراض مسؤولية جزائية لم تأت بها لائحة الاتهام ولا يستقيم القول إزاء هذا  بتوافر الجدية في طعن وكيل الجهة المتهمة وذلك لانعدام الصلة بين نص المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر النافذ المدفوع بعدم دستوريتها ونطاق الخصومة الجزائية في لائحة الاتهام، ولما كان الأمر كذلك، وحيث أن جدية الدفع الدستوري الفرعي هي مناط قبوله، وحيث أن مقاصد المشرع بالنص على طريق الدفع الفرعي في المادة 27/3 من قانون المحكمة الدستورية النافذ تستهدف بالأساس حماية المواطن من انتهاك حقوقه الأساسية نتيجة تطبيق نص قانوني أثناء نظر النزاع أمام المحكمة المختصة بأنْ أباح للمتهم أو وكيله إثارة هذا الدفع لحماية  المتهم من تطبيق نص مخالف للدستور، وحيث أنّ المحكمة لم تجد فيما أثاره وكيل الدفاع بعدم دستورية نص المادة 12 من قانون المطبوعات والنشر النافذ ما يحقق الغاية التي شُرعت لأجلها هذه الطريقة في الدفع،  فإنّ مؤدى ذلك يعني أن هذه الإباحة قد سقطت وسقط معها حق الدفاع في اللجوء إلى طريق الدفع الفرعي عملا بأحكام المادة 27/3 من قانون المحكمة الدستورية النافذ المشار لها لانعدام الجدية.
·        لمّا كان من الثابت أنّ إعمال الدفع الدستوري من قبل هذه المحكمة سواء بطريق الدفع الفرعي أو بطريق الإحالة من قبل هذه المحكمة من تلقاء نفسها يستنهض ولاية المحكمة العليا الموقرة التي تنعقد مؤقتا بصفتها الدستورية للتصدي للبحث في دستورية نص ما، فإن ذلك يوجب أن يكون هذا الاستنهاض لازمًا للفصل في موضوع الخصومة الجزائية من حيث مدى اتفاقها مع الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الأساسي بقيام الدليل على أن ضررًا واقعًا بحق بالمتهم مرده النص المطعون فيه، وأن لا يكون هذا الضرر متوهمًا، مرجعه إلى الخطأ في تأويل النص بفهمه على غير معناه، أو بتحريفه على غير وجهه الصحيح، أو بإضافته على خلاف الحقيقة، وهو ما ينطبق على ما تضمنه دفع وكيل الجهة المتهمة بافتراض أن السيد م، ع،  ن متهمُ في القضية على خلاف الحقيقة الثابتة في لائحة الاتهام، ذلك أنّ حضور المذكور إلى هذه المحكمة ومثوله أمامها لا يخرج عن الصفة التمثيلية للجهة المتهمة من حيث اعتباره ممثلا قانونيا لها لا متهما في الدعوى كما أشرنا، وهو ما يعزز قناعة هذه المحكمة بأنّ الدفع المثار من قبل وكيل المتهم تعوزه الجدية اللازمة لاعتباره سببا ملزما لاستنهاض ولاية المحكمة العليا بصفتها الدستورية للقيام بمهامها المقدسة في حماية الشرعية الدستورية.
إنّ هذه المحكمة ومع إيمانها العميق بأنّ التحقيق الصحفي واجبٌ تقتضيه المصلحة العامة، وأن أية قيود مرهقة يفرضها القانون على الحق في حرية الرأي والتعبير أو حرية النشر والصحافة بما يجعل من الصعب ممارسة هذه الحقوق تعتبر قيودا تثير الشبهة بعدم دستوريها من ناحية مبدئية إلى أن تتصدى المحكمة العليا الموقرة بصفتها الدستورية للفصل فيها، إلا أنّ هذه المحكمة وهي تُفرغ اجتهادها في التأصيل لمفهوم الجدية في الطعن الفرعي عملا بأحكام المادة 27/3 من قانون المحكمة  الدستورية العليا رقم 1 لسنة 2006 باتت مطمئنة إلى أن هذا القانون قد كفل طريق الطعن المباشر عملا بأحكام المادة 27/1 منه حماية للحقوق والحريات العامة، وإنّ قيام هذه المحكمة بالتصدي للطعن الفرعي أو الطعن بطريق الإحالة يتطلب توافر شروط موضوعية ملزمة ترتبط بحقوق دستورية أخرى، ذلك أنّ قيام هذه المحكمة بأداء رسالتها السامية في توفير الحماية القضائية للحقوق الأساسية لا يمنعها من وضع فواصل وضوابط ومحددات تضمن عدم  التعسف في استعمال هذا الحق حتى لا يصار إلى هدر حقوق دستورية أخرى أو تعطيلها وأهمها الحق في التقاضي وسرعة الفصل في الدعاوي وحرمة الحياة الخاصة، والحق في الكرامة الانسانية على وجه العموم.
 لذلك، واستناد لكل ما تقدم، تقرر المحكمة رد دفع وكيل الجهة المتهمة لانعدام الجدية وتبعا لذلك تكليف ممثل الجهة المتهمة الحاضر بالإجابة عن التهمة المسندة لها. وأفهم في 2/1/2013

الأحد، 13 أكتوبر 2013




  "جرائم القتل على خلفية الشرف "
الحلول التشريعية
قراءة مقارنة بين فلسطين والأردن

 القاضي أحمد الأشقر


تزايدت في الآونة الأخيرة ظاهرة القتل عل خلفية الشرف، وإذا كانت هذه الجريمة ترتبط بصورة مباشرة بالبيئة الاجتماعية التي تساهم في الضغط الاجتماعي على الجناة للقيام بفعلهم المؤثّم، إلا أن التشريعات السارية تساهم إلى حد كبير في تغذية الوعي الجماعي بأنّ القتل على خلفية الشرف غير معاقب عليه وله مبرراته القانونية فيما يعرف بالعذر المحل أو العذر المخفف، وإذا كان الرئيس قد أصدر قرار بقانون يتضمن تعديل مواد في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 الساري في المحافظات الشمالية، وقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 الساري المفعول في قطاع غزة. بأنّ قضى بإلغاء المادة 340 بفقرتيها من قانون العقوبات رقم 16، وكذلك تعديل القرار نص المادة 18 من القانون رقم 74، من خلال إضافة عبارة 'يستثنى من ذلك قتل النساء على خلفية ما يعرف بشرف العائلة،  فإنه ورغم ذلك يلاحظ أنّ ظاهرة القتل على خلفية الشرف قد تزايدت بشكل كبير هذا العام رغم هذا التدخل التشريعي من قبل سيادة الرئيس، وهذا ما يطرح تساؤلات حول أثر هذا التعديل على الحدّ من هذه الجريمة. وماهية التعديل المطلوب لتحقيق نتائج مؤدية إلى إنهاء هذه الظاهرة.
في الأردن حاول المشرع الأردني عبر تدخل ملكي بإجراء تعديل تشريعي يشابه التعديل الذي قام به الرئيس الفلسطيني، إلا أن ظاهرة القتل على خلفية الشرف لازالت في تزايد ملحوظ سواء في الأردن أو فلسطين.
ورغم أن هذه الورقة تتناول المعالجة التشريعية للحد من ظاهرة القتل على خلفية الشرف والتي باتت في كثير من الحالات تستخدم للتغطية على جرائم أخرى بقصد الافلات من العقاب، فإنه يجدر بنا التأكيد بأنّ العامل الرئيس في معالجة هذه الظاهرة يستلزم حملة توعية اجتماعية وتربوية سليمة، ورغم ذلك فإنّ هذه الورقة ستحاول إثبات أنّ تدخل تشريعي جاد ومدروس سيساهم إلى حد كبير في تقليل استخدام الأحكام القضائية للعذر المحل أو المخفف في تخفيف العقوبة عن القاتل وهذا ما سنحاول أن نبيّنه في المحاور التالية:

أولا : الإطار القانوني .
لقد وضع قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 النافذ قواعد تستند إلى الأخذ بمبدأ استفادة بعض مرتكبي الجرائم من مبدأي "االعذر المحل"  والعذر المخفف، حيث نصت المادة 98 من هذا القانون النافذ في الضفة الغربية على أنه : " يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه"
وقد أطلقت هذه المادة حكما عاما قاطعا باستفادة القاتل نتيجة سورة غضب شديد من العذر المخفف، وهو عذر  الذي لا يعفي من نطاق المسؤولية الجزائية،  وإنما يؤدي  إلى التخفيف من العقوبات المقررة لجريمة القتل بدلالة المادة 97 من ذات القانون والتي نصت على :
" عندما ينص القانون على عذر مخفف:
1- إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد حولت العقوبة إلى الحبس سنة على الأقل.
2- وإذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى كان الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
     وإذا كان الفعل جنحة فلا تتجاوز العقوبة الحبس ستة أشهر أو الغرامة خمسة وعشرين ديناراً."
ويتضح من نص المادة 97 المشار لها إلى أن المشرع انحدر بالعقوبات  الجنائية إلى درجة تقترب إلى عقوبات جنحوية وفقا للفقرة 1و2 من هذه المادة  مما يخرج جريمة القتل من صفتها الجنائية إلى صفة الجريمة الجنحوية مما يجعل هذه العقوبة غير رادعة بداعي سورة الغضب الشديد الناتجة عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة وهي مسألة موضوعية تخضع للسلطة التقديرية للهيئة القضائية التي تنظر الدعوى.
في حين نجد ان المادة 96 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 60 قد نصت على وجود العذر المحل ضمن السياسة العقابية للمشرع ، وهوعذر تنتفي معه المسائلة الجزائية ويمتنع فيه القضاء عن اتخاذ أي عقوبة بحق مركب فعل القتل حال استفادته من هذا العذر المحل مع إمكانية اتخاذ بعض التدابير الاحترازية ، حيث نصت هذه المادة على : " إن العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب على أنه يجوز أن تنزل به عند الاقتضاء تدابير الاحترازية كالكفالة الاحتياطية مثلاً."
ومن أهم تطبيقات العذر المحل في قانون العقوبات النافذ ما جاءت به  المادة 340 من القانون حيث نصت على:                        
1- يستفيد من العذر المحل، من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر وأقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو إحداهما.
2- يستفيد مرتكب القتل أو الجرح أو الإيذاء من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو إحدى اصوله أو فروعه أو أخواته مع آخر على فراش غير مشروع.
ويتضح أن نص هذه المادة لم يفرق بين حالة التلبس بالزنا  وفقا لنص الفقرة 1 وحالة المفاجأة بموجب الفقرة 2 من ذات المادة مما يعني أن القاتل على خلفية الشرف سيستفيد في كلتا الحالتين من العذر المحل أو العذر المخفف .
ثانيا : آثار العذر المحل والمخفف على السياسة العقابية في فلسطن:
لقد ساهم  العذر المخفف والمحل في جرائم القتل على خلفية الشرف في ازدياد حالات هذا النوع من القتل في المجتمع الفلسطيني والتي كان آخرها مقتل الفتاة آية ، وذلك لوجود فهم مسبق لدى العامة أن القاتل بداعي الشرف لايعاقب، الأمر الذي عانى من المجتمع الأردني أيضا والذي كان يطبق  إلى حد قريب نص المادة 340 النافذة لدينا، مما حدى المشرع الأردني إلى تعديل نص المادة 340 من قانون العقوبات بمرسوم ملكي بقانون رقم 86/2001  لتصبح هذا المادة معدلة كتالي :

1-     يستفيد من العذر المخفف من فوجىء بزوجته او احدى اصوله او فروعه او اخواته حال تلبسها بجريمة الزنا او في فراش غير مشروع فقتلها في الحال او قتل من يزني بها او قتلهما معاً او اعتدى عليها او عليهما اعتداء افضى الى موت او جرح او ايذاء او عاهة دائمة.
2-    ويستفيد من العذر ذاته الزوجة التي فوجئت بزوجها حال تلبسه بجريمة الزنا او في فراش غير مشروع في مسكن الزوجية فقتلته في الحال او قتلت من يزني بها او قتلتهما معا او اعتدت عليه او عليهما اعتداء افضى الى موت او جرح او ايذاء او عاهة دائمة0
3-   ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي بحق من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق عليه احكام الظروف المشددة
ويلاحظ هنا أن المشرع الأردني قد عدل هذه المادة من خلال  اعتباره القتل على خلفية الشرف عذرا مخففا بدلا من اعتباره عذرا محلا ، بمعنى أن القتل على خلفية الشرف أصبح مجرما بدلالة المادة 97 التي جعلت لتوافر العذر المخفف أسبابا موجبة لتخفيض العقوبة، كما أن هذه المادة أعطت المرأة ذات الحق بالاستفادة من هذا العذر المخفف .
إن التعديل الذي أجراه المشرع الأردني لم يكن قادرا على تحقيق سياسة الردع المطلوب ، ذلك ان تعديله اقتصر على نص المادة 340 ولم يتطرق بالتعديل إلى المادة 98 والمادة 97 من القانون ، حيث استفاد الكثير من مرتكبي الجرائم على خفلية الشرف من نص المادتين المذكورتين مما اثر سلبا على السياسة العقابية وادى إلى عدم فاعلية التعديل الذي أجري في العام 2001 ، الأمر الذي لم يمنع تزايد ارتكاب  هذا النوع من الجرائم في المجتمع الأردني مؤخرا .
وهذا ما ينسحب على الحالة الفلسطينية حيث أصدر السيد الرئيس قرارا بقانون يتضمن تعديل مواد في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 الساري في المحافظات الشمالية، وقانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 الساري المفعول في قطاع غزة، بأنّ قضى بإلغاء المادة 340 بفقرتيها من قانون العقوبات رقم 16، وكذلك تعديل القرار نص المادة 18 من القانون رقم 74، من خلال إضافة عبارة 'يستثنى من ذلك قتل النساء على خلفية ما يعرف بشرف العائلة،  فإنه ورغم ذلك يلاحظ أنّ ظاهرة القتل على خلفية الشرف قد تزايدت بشكل كبير هذا العام رغم هذا التدخل التشريعي من قبل سيادة الرئيس.
ثالثا : الآليات السليمة للتعديل القانوني بغية الحد من جرائم القتل بداعي الشرف.
إن إجراء التعديل القانوني السليم على نصوص مواد قانون العقوبات النافذ  يجب أن لا يقتصر فقط على إلغاء نص المادة 340 وإنما يجب أن يتم ذلك بالتزامن مع تعديل نص المادة 98 من ذات القانون لتصبح :
 " يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد ناتج عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه ويستثنى من ذلك القتل على خلفية الشرف "
انتــــــهى

شكرا لمرورك

شكرا لمرورك على المدونة، يمكنك المراسلة على البريد الإلكتروني
ahmadashkar1@gmail.com