الأحد، 6 أكتوبر 2013

الاختصاص الشخصي لمحاكم الأحداث في فلسطين


                                                                                                                  
                                                                                                       القاضي أحمد الأشقر


يعرّف الاختصاص القضائي بأنه سلطة أو صلاحية يمنحها القانون لمحكمة معينة أو لقاضٍ معين للنظر في نوعية محددة من القضايا والفصل فيها، وذلك إذا توافرت الشروط التي ينص عليها القانون، وبعبارة أخرى، يعني الاختصاص القضائي صلاحية مباشرة ولاية القضاء في نظر الدعوى في الحدود التي رسمها القانون، ولا يكفي توافر ولاية القضاء للقاضي فحسب، بل أن يجب أن ينعقد الاختصاص له صحيحا كي يمتلك ولاية الفصل في النزاعات المعروضة عليه، ولا تتوافر له هذه الولاية إلا في جوانب ثلاثة،  أولها أن يكون القاضي مختصا بمحاكمة شخص المتهم، وثانيها أن يكون مختصا بنظر نوع الجريمة أو الفعل، وثالثها أن يكون مختصا من حيث مكان وقوع الجريمة أو مكان إقامة المتهم أو مكان ضبطه،  هذا ما ينسحب على قاضي الأحداث، وعلى ذلك لا ينعقد الاختصاص لمحكمة الأحداث إلا بتوافر الاختصاص الشخصي والنوعي والمكاني، وفيما يتعلق بالاختصاص الشخصي نجد أن بعض التشريعات قد أخذت ضمن رؤيتها للسياسية الجنائية بمعاملة خاصة لبعض فئات المتهمين، وذلك تحقيقا للأهداف المرجوة من السياسة الجنائية في الإصلاح والتأهيل والعدالة الاجتماعية، من خلال مراعاة خصوصية ظروف هؤلاء، وتيسيرا لإجراءات محاكمتهم التي ترتبط بعوامل توجب على القانون والمحكمة اتخاذ تدابير خاصة وميسرة بشأنهم، وذلك تحقيقا لصالح المجتمع والنظام العام من جانب، وإعمالا لنظرية الدفاع الاجتماعي من جانب آخر، ومن هذه الفئات التي حظيت بمعاملة خاصة في مجال السياسية الجنائية هي فئة الأحداث، على أن بعض الانظمة التشريعية في السياسة الجنائية لقضاء الأحداث تخرج عن هذه القاعدة بأنّ تتيح للقضاء الجزائي العادي محاكمة الحدث لاسيما إذا كان مشتركا معا بالغين، وكذلك تخرج عن هذه القاعدة أيضا من خلال منح الاختصاص لقضاء الأحداث بمحاكمة بالغين في ظروف وجرائم معينة.
و يتحدد الاختصاص الشخصي لقضاء الأحداث على بصلاحيته لمحاكمة فئة محددة من الناس يطلق على أفرادها مصطلح الأحداث، ويعتبر المعيار الشخصي في اختصاص محاكم الأحداث هو المعيار الأساسي الذي يقوم عليه نظام قضاء الأحداث، الأمر الذي حدى ببعض التشريعات إلى الإشارة الجازمة أنّ محاكم الأحداث هي المختصة وحدها بمحاكمة الأحداث، حتى قيل بأن الاختصاص الشخصي لمحاكم الأحداث ذو طبيعة استئثاريه أو انفرادية، بمعنى أن قضاء الأحداث وحده المختص دون غيره بمحاكمة الحدث، ويقع باطلا أي حكم قضائي يصدر خلافا للمعيار الشخصي المُحدد لاختصاص محاكم الأحداث.
ولما كان الأمر كذلك، فإننا نجد أنّ الاختصاص الشخصي لمحكمة الأحداث بمحاكمة الأحداث ينطوي على ضابطين أساسين، الضابط الأول هو سنّ الحدث المحدد في التشريعات السارية، والضابط الثاني ينطوي على وقت ارتكاب الفعل فيما إذا كان المتهم حدثا حينها أم لا.
وفيما يتصل بالضابط الأول، فإنّ التشريعات تعمد إلى وضع معايير زمنية للدلالة على شخص الحدث، وهي معايير زمنية عمرية تتراوح بين حد أعلى وأدنى، وعليه، فإنّ الاختصاص الشخصي لمحكمة الأحداث ينعقد طالما كان المتهم يمثل أمام المحكمة داخل في نطاق الفئة العمرية المعتبرة للأحداث.
أما فيما يتعلق بالضابط الثاني، فيبدو جليا أن محكمة الأحداث هي المختصة بمحاكمة المتهم عن فعل مجّرم وقع منه وهو حدث، حتى وإن تمت محاكمته بعد بلوغه الرشد، وعلى هذا استقر الاجتهاد القضائي الفلسطيني، ومن ذلك ما قضت محكمة الاستئناف  المنعقدة في  رام الله  في الدعوى الجزائية رقم 227 لسنة 99 من أنه "إذا كان الفاعل عند ارتكاب الجرم حدثاً يطبق بحقه قانون الأحداث"  وكذلك مما قضت به ذات المحكمة في حكمها في الدعوى الجزائية رقم 518 لسنة 99 من "أنّ  قانون إصلاح الأحداث لسنة 1954 هو قانون خاص وضع تدابير وإجراءات وعقوبات خاصة بالأحداث خلافا لما هو وارد في قانون العقوبات لسنة 1960، فإن كان المتهم وقت ارتكابه الجريمة حدثا فيطبق عليه قانون الأحداث،" وهذا يستتبع وفق ما يرى الباحث أن تسري كاف الإجراءات المنصوص عليها في قانون الأحداث تجاه المتهم الذي ارتكب الجرم إبان كونه حدثا حتى وإن تمت محاكمته أو استمرت بعد بلوغه سن الرشد، وهذا بالضرورة يستند على أساس يقوم على فكرة أن الأحكام التي وضعها المشرع في محاكمة الأحداث ترتبط حقيقة بمراعاة الظروف الاجتماعية والواقعية التي دفعت الحدث لمقارفة الفعل الجرمي، الأمر الي يوجب أن يستفيد المتهم من الإجراءات الخاصة بمحاكمة الأحداث حتى وإن تمت محاكمته وهو بالغ.
وقد أشار التعليق العام رقم 10 في الفقرة رقم 10 إلى أنّ" إنّ الأطفال يختلفون عن الكبار في نموهم البدني والنفسي، وفي احتياجاتهم العاطفية والتعليمية، وتشكل هذه الفوارق الأساس الذي يقوم عليه التخفيف من ذنب الأطفال المخالفين للقانون، وهذه الفوارق وغيرها هي علة وجود نظام مستقل لقضاء الأحداث وتستلزم معاملة مختلفة للأطفال،"  مما يستدعي أن تطبق على الأحداث إجراءات خاصة تختلف عن تلك التي تطبق على البالغين في كل الحالات.
وجريا على ذلك، شرعت القوانين الناظمة لقضاء الأحداث بالنص على صراحة على اختصاص محكمة الأحداث وحدها دون غيرها بمحاكمة الأحداث، وهذا ما جاءت به المادة 7 من قانون إصلاح الأحداث رقم 16 لسنة 1954 النافذ في الضفة الغربية، والتي نصت على أنه "إيفاء بالغاية المقصودة من هذا القانون تعتبر المحكمة التي تنظر في التهم المسندة إلى أي حدث أنها (محكمة أحداث) ولا تعتبر كذلك إذا كان الشخص الجارية محاكمته متهماً بالاشتراك مع شخص آخر غير حدث".
وهذا أيضا ما ذهبت له المادة 3 من قانون المجرمين الأحداث لسنة 1937النافذ في قطاع غزة حين نصت على " إيفاء للغاية المقصودة من هذا القانون، تعتبر كل محكمة لدى نظرها في التهم المسندة إلى الأولاد أو الأحداث أو الفتيات، أنها محكمة أحداث، إلا إذا كان الشخص الجارية محاكمته متهماً بالاشتراك مع شخص آخر ولم يكن شريكه ولداً أو حدثاً أو فتاة."
ويبدو أن قانون إصلاح الأحداث النافذ في الضفة الغربية وقانون المجرمين الأحداث النافذ في قطاع غزة قد انتهجا ذات النهج بخصوص تحديد الاختصاص الشخصي لمحكمة الأحداث، إلا أنهما وعلى ذات النحو أخرجا الحدث المشترك في تهم مع بالغين من نطاق الاختصاص الشخصي لمحكمة الأحداث، وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي الفلسطيني، ومنه ما قضت به محكمة الاستئناف  المنعقدة في  رام الله  في الدعوى الجزائية رقم 234 لسنة 2010 من أنّ "المحكمة لا تعتبر محكمة أحداث  طالما تمت محاكمة الحدث مع أشخاص شركاء آخرين ليسوا  أحداثا".

شكرا لمرورك

شكرا لمرورك على المدونة، يمكنك المراسلة على البريد الإلكتروني
ahmadashkar1@gmail.com