الجمعة، 26 أبريل 2013

أركان جريمة الاحتيال في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960


القاضي أحمد الأشقر
تعتبر جريمة الاحتيال من الجرائم الشائعة في المجتمع الفلسطيني، وغالبا ما يختلط توصيف هذه الجريمة مع النزاع المدني بين الخصوم المستند إلى المسؤولية المدنية بشقيها التقصيرية والعقدية، وهوما يجعل هذه الجريمة من الجرائم التي تحتاج إلى إعمال ذهني من قبل قاضي الموضوع للتحقق من توافر أركان هذه الجريمة وتمييزها عن النزاع المدني.
ولما كان من الثابت أن مقصد المشرع في التجريم يستلزم تحقق أركان واقعة الجريمة المستوجبة للعقوبة والظروف التي أحاطت بها تحققا لا يدع مجالا للشك بما يستفاد من هذه الوقائع دقة الاستدلال وسلامة المأخذ وتحقق المقصد التشريعي من تجريم فعل الاحتيال، فإن المشرع قد نص على أركان محددة وخاصة لهذه الجريمة تتلخص فيما يلي :
1- الركن القانوني ( الشرعي) :
وهو الركن الذي يقوم على قاعدة انه لا جريمة ولا عقوبة إلى بنص، وفيما يتعلق بجريمة الاحتيال في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 نجد أن الركن القانوني يستمد وجوده وشرعية من نص المادة 417 من هذا القانون والتي يجب إعمال محتواها ومؤداها في سبيل الوصول إلى حكم يستند إلى إطار قانوني صحيح.
2- الركن المادي :
يعرف الركن المادي بأنه الفعل الجرمي المعاقب عليه والذي يؤدي إلى النتيجة الجرمية مع ضرورة توافر علاقة سببية تربط بين هذا الفعل والنتيجة المتحققة، وبالنظر إلى نص المادة 417 من قانون العقوبات رقم 16لسنة 60 نجد أن هذه المادة قد عرفت الاحتيال ووسائله بأنه حمل الغير على تسليمه مالاً منقولاً أو غير منقول أو أسناداً تتضمن تعهداً أو إبراء فاستولى عليها احتيالاً باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه بوجود مشروع كاذب أو حادث أو أمر لا حقيقة له أو إحداث الأمل عند المجني عليه بحصول ربح وهمي أو بتسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال أو الإيهام بوجود سند دين غير صحيح أو سند مخالصة مزور، أو بالتصرف في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أن ليس له صفة للتصرف به، أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.
ويتضح من هذه المادة أنّ الركن المادي لجريمة الاحتيال يشترط وجود وسائل تعتبر كل وسيلة منها إن تحققت ركنا ماديا صالحا لتوافر شروط التجريم وهذه الوسائل وردت على سبيل الحصر وهي وفق ما يستفاد من متن المادة 417 من قانون العقوبات تتمثل باستعمال طرق احتيالية أو تصرف الجاني في مال منقول أو غير منقول وهو يعلم أن ليس له صفة التصرف فيه أو اتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة ، ولكن وجود هذه الوسائل وحدها لا يعد سببا كافيا لتوافر الركن المادي، إذ إنّ من المتفق عليه فقها والمستقر في الاجتهاد القضائي أنه يشترط لقيام الطرق الاحتيالية كركن مادي من خلال الاتيان بأحد الوسائل الاحتيالية أن يدعم الجاني ادعاءاته أو أكاذيبه بأشياء خارجية تساعد على الباسها ثوب الصدق وتؤدي الى إدخال الغفلة على المجني عليه وحمله على تسليم ماله وأن تكون هناك علاقة سببية بين طرق الاحتيال الذي لجأ اليه الجاني وبين الاستيلاء على مال الغير دون وجه حقوذلك باتصال الفعل بالنتيجة من خلال رابطة السببية، وفي هذا تقول محكمة التمييز الأردنية في الطعن رقم 1985 / 134 أن الاحتيال هو فعل الخداع من المحتال ليحمل المجني عليه ليسلمه ماله لكي يستولي عليه، وأنّ المجني عليه ما كان ليقبل بهذا التصرف لو عرف الحقيقة وانه وإن كان الكذب المجرد عن عناصر خارجية لا يؤلف جريمة الاحتيال، لكن اذا استعان المحتال بشخص ثالث او بظرف يدعم الكذب ليعطي الكذب قوة اقتناع ففي هذه الحالة يكون الفعل على هذه الصورة جريمة الاحتيال .
3- الركن المعنوي :
يبدو جليا أن جريمة الاحتيال هي من الجرائم القصدية التي يشترط فيها توافر القصد الجنائي العام وهو علم وإرادة المتهم بارتكابه النشاط الجرمي بالإضافة إلى ضرورة توافر قصد جنائي خاص وهو انصراف نية الجاني الى الاستيلاء على جزء من ثروة الغير بدون حق باستعمال وسيلة احتيالية وفق ما جاءت به المادة 417 من قانون العقوبات النافذ حيث أنّ من المستقر قضاء وفق اجتهاد محكمة النقض المصرية في العديد من أحكامها ومنها الطعن ( الطعن رقم 25947 لسنة 59 ق جلسة 1994/3/20 س 45 ص 412 ) الذي أشار إلى أنه "من المقرر أن مجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بلغ قائلها في توكيد صحتها لا تكفى وحدها لتكوين الطرق الاحتيالية بل يجب لتحقق هذه الطرق في جريمة النصب أن يكون الكذب مصحوباً بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تحمل المجنى عليه على الاعتقاد بصحته" وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية باعتبار ضرورة قيام المتهم بفعل إيجابي لتحقق الركن المادي في الوسائل الاحتيالية حيث أشارت في الحكم رقم 1976/ 42 إلى أنه "يشترط في جريمة الاحتيال أن يأتي الجاني فعلا ايجابيا ينتحل به الاسم الكاذب أما لو اتخذ موقفا سلبيا بأن ترك الغير يعتقد في صفة ليست له أو اسما غير اسمه واستطاع الحصول بذلك على مبلغ من المال ، فلا يتوافر بذلك ركن الجريمة ويكون من سلم المال قد فرط في حق نفسه" حيث يمكن القول أن الركن المعنوي لجريمة الاحتيال لا يتحقق دون وجود نية لدى الجاني بارتكاب فعل الاحتيال والاستيلاء على مال الغير دون وجه مع توافر علمه وإرادته بارتكاب الفعل الذي يجب ان يكون مصحوبا بأعمال مادية أو مظاهر خارجية تعزز القناعة بأن الجاني تتوافر لديه نية ارتكاب الفعل وإيهام المجني عليه للاستيلاء على أمواله.

الدعوى المدنية أمامَ القاضي الجزائيّ

 
 
القاضي أحمد الأشقر

 
إنّ من الثابتِ الذي لا يقبلُ التأويل أنّ الأصل في نظر المنازعات المدنية منوطٌ بالمحكمةِ  المدنية دون سواها، ولقد أوردَ المشرعُ استثناءً على هذه القاعدة يقضي بتخويلِ المحكمة الجزائية صلاحيةَ النظر في الدعوى المدنيةِ تبعاً للدعوى للجزائية المنظورة أمامها، وقد نظمّ قانون الاجراءات الجزائية النافذ أحكامَ نظر الدعوى المدنية أمام القاضي الجزائيّ بجملةٍ من المواد المتعلقة بهذا الشأن، ومنها المادة (11) التي تنصُ  على أنّه " يبقى الادعاء بالحق المدني من اختصاص المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجزائية وإذا كانت الدعوى الجزائية لم ترفع يكون الاختصاص بالدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة"  وقد أحال المشرع الأحكام التنظيمية والاجرائية في طريقة البت في الدعوى المدنية أمام القاضي الجزائي إلى ما تمليه أحكام قانون البينات في المواد المدنية والتجارية وذلك وفق صريح المادة ة (210) من قانون الاجراءات الجائية النافذ والتي نصت على" 1- تلتزم المحكمة بتطبيق أحكام قانون البينات في المواد المدنية والتجارية على دعوى الحق المدني التي تنظر فيها تبعاً للدعوى الجزائية.2- تتبع في نظر دعوى الحق المدني من حيث الإجراءات القواعد التي يقررها هذا القانون." 
 
والسؤال الملّحُ في هذا الجانب، يقومُ على أساس فهم مقصدِ المشرع من منح هذه الصلاحية للمحاكم المدنية خروجاً عن القاعدةِ الأصل،  لماذا أباحَ المشرّع للمحكمة الجزائية أن تتصدى للدعوى المدنية خارج حدود اختصاصها الأصيل ؟؟ 
 
إن محاولة الاجابة عن هذا التساؤل لا يُقصد منها الترف الفقهيّ أو الاجتهاد العبثيّ بقدر ما تؤسس هذه الاجابة  لفضاء من الجدل البنّاء حول حدود اختصاص القاضي الجزائي في نظر الدعوى المدنية  كي لا يراوحُ  القاضي الجزائيُّ  مكانَه بين التوسع أو التضييق  في ممارسته لحدود هذا الاختصاص الاستثنائي .
إنّ مقاصدَ المشرع يجبُ أن تكون بوصلةُ القاضي التي لا تخطئُ في سبيل أدائِه رسالته القضائية بالصورة الفضلى، دون تزيّدٍ أو انتقاص، وقد  استقرّ الاجتهادُ القضائيُّ المقارنُ في على مسائل بهذا الشأن أهمها : 
 
1-  إنّ اختصاص القاضي الجزائي الاستثنائيّ بنظر الدعوى المدنية تبعا للدعوى الجزائية يهدف إلى جبر الضرر الناشئ عن الجريمة في حال ثبوتها، وأمام ذات القاضي الذي يحكم بالإدانة والمتبصر في وقائعها واعياً ونافداً ، لأنّ " الأصلُ في دعاوى الحقوق المدنية التي ترفع استثناء إلى المحاكم الجزائية بطريق التبعية للدعوى الجنائية، أن يكون الحق المدعى به ناشئاً عن ضرر للمدعى من الجريمة المرفوعة بها الدعوى (أنظر الطعن رقم 60248 / 59 نقض مصرية )  ومؤدى ذلك، أنّه إذا كان قد أجيز للمدعى بالحقوق المدنية أن يطالب بتعويض عما لحقه من ضرر أمام المحكمة الجزائية  فإن هذه الإجازة ما هي  إلا استثناء من أصلين مقررين حاصل أولهما أن المطالبة بمثل هذه الحقوق إنما تكون أمام المحاكم المدنية ، والثاني أنّ تحريك الدعوى الجزائية إنما هو حق تمارسه النيابة العامة وحدها، ومن ثم يتعيّن عدم التوسع في الاستثناء المذكور وقصره على الحالة التي يتوافر فيها الشرط الذى قصد الشارع أن يجعل الالتجاء إليه فيها منوطاً بتوافره، وهو أن يكون المدعى بالحق المدني قد أصابه ضرر شخصي مباشر من الجريمة.
 
2- إذا لم يكن الضرر الذى لحق بالمدعي ناشئاً عنا الجريمة سقطت تلك الإباحة الاستثنائية للقاضي الجزائي بنظر الدعوى المدنية وسقط معها اختصاص المحكمة الجزائية بنظر الدعوى المدنية، مما يقود إلى القول أن الحكم بعدم الاختصاص هو الأقرب للقانون من الحكم برد الدعوى المدنية كما هو دارج في أحكامنا الجزائية في فلسطين، ذلك أنّ الرد قد يحمل معنى نفي حق المدعي المدني برفع دعواه أمام محكمة مدنية، لأن الحكم  الصادر من القاضي وهذه الحالة يكون صادرا عن هيئة قضائية غير مختصة وفقا لمقاصد المشرع.
 
3- لا تثريب على الحكم القاضي بالتعويض المدني الصادر عن القاضي الجزائي إن لم يبين عناصر الضرر الذى قدر على أساسه مبلغ التعويض، إلا أنّ ذلك مشروط بأن يكون الحكم قد أحاط بأركان المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية وأن يكون ما أورده في هذا الخصوص مؤدياً إلى النتيجة التي انتهى إليها في التجريم والتعويض .
 
4- في حال الحكم بالبراءة في دعوى جزائية ملحقة بها دعوى مدنية ، فيجب أن يشتمل الحكم على أسباب الحكم بالبراءة ذلك لأن أحكام البراءة المستندة إلى كون " الفعل لا يؤلف جرما " لا تنفي حق المدعي بالحق المدني للمطالبة بالتعويض أمام المحاكم المدنية وهذا ما جاء به صريح المادة (390/3)  والتي نصت على انه " لا يكون للحكم بالبراءة هذه القوة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون" وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض الفلسطينية في حكم محكمة النقض  المنعقدة في  غزة  في الدعوى الحقوقية رقم 40 لسنة 2004 والذي جاء فيه " 
"الحكم الجنائي الصادر بالبراءة إذا كان مبنياً على أن الفعل لا يعاقب عليه القانون سواء لانتفاء القصد الجنائي أو لسبب آخر لا تكون له حجة أمام القضاء المدني، وبالتالي لا يمتنع على المحكمة من البحث فيما إذا كان هذا الفعل مع تجرده من صفة الجريمة نشأ عنه ضرر يصح أن يكون أساساً للتعويض" 
 
5- إذا أقيمت الدعوى المدنية تبعا للدعوى الجزائية فإن القاضي الجزائي ملزم بالفصل بالدعويين بحكم واحـد وليس للمحكمـة الجزائية أن تفصل في إحداهما وتؤجل البت في الثانيـة وإلا كان حكمهـا في الدعوى المدنية بعد ذلك باطلا لصدوره في وقت فقدت فيه المحكمـة ولايتهـا في النظر في الدعوى المدنية طالما ان الدعوى العامة لم تعد قائمة أمامها (أنظر تمييز أردنية رقم 1996  /  610 )
 
6- ان الالتزام بالتعويض عن الضرر الناشئ عن الجريمة تحكمه نصوص قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية وقانون البينات والأصول المدنية، وهو يشمل الضرر المادي والضرر المعنوي ومصاريف المعالجة أو بدل التعطيل، والضرر المادي هو كل ضرر يخل بمصلحة المضرور ذات القيمة المادية، وتتبع في الاثبات في الدعوى المدنية المقامة تبعا لدعوى الحق العام قواعد الاثبات الخاصة بالدعوى المدنية ويتوجب على المدعي بالحق الشخصي تقديم البينة لإثبات هذا الحق، ويجب أن يؤسس القاضي الجزائي حكمه في التعويض على ضوء البينات الثابتة وليس على مجرد التقدير الناتج عن حرية الإثبات في المواد الجزائية.
أخيرا ،، ولمّا كانت الدعوى الجزائية هي الأصل والدعوى المدنية هي الفرع، ولمّا كان من الثابت أنّ الدعوى المدنية تدور مع الدعوى الجزائية وجودا وعدما، فإن الدعوى المدنية التي تقام تبعا لدعوى الحق العام لدى القاضي الجزائية تكون تابعة لطرق الطعن المقررة لدعوى الحق العام في قانون الإجراءات الجزائية وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز الأردنية    ( أنظر الطعن 1979  / 70).

شكرا لمرورك

شكرا لمرورك على المدونة، يمكنك المراسلة على البريد الإلكتروني
ahmadashkar1@gmail.com