أزمة الأخلاق والقانون !!
القاضي أحمد الأشقر
القانون فعل مجتمعي بطبيعته، أو انعكاس ما
لحاجة مجتمعية، والأخلاق تسمو على القانون وتحكمه وهو لا يحكمها إلا بالقدر المجرد
الذي تعبر عن القواعد القانونية، بما لها من سلطة الزجر والعقاب.
الأخلاق ليس فضيلة تامة، لكنها وعاء شامل
يتسع لكل الفضائل، والقانون لا يعبر بذاته عن الأخلاق بقدر ما يحاول أن يكون وعاء
ناظما وحاميا للقيم الأخلاقية.
ثمة
علاقية جدلية مثيرة بين القانون والأخلاق، علاقة سمو وتراتبية، علاقة بدء ومنتهى، الأخلاق شكل من
أشكال الوعي الإنساني ومجموعة من القيم والمبادئ تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية
والمساواة، بحيث ترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية لتلك الشعوب وسنداً قانونياً
تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين، لكن
الأمر قد يلتبس حينما تتسع الفجوة بين القانون والأخلاق، هنا يجب أن نسعى لوضع
تعريف محدد للعلاقة بين القانون والأخلاق، لنعرف حدود المسؤولية، فإذا كانت المسؤولية القانونية
تتحدد بتشريعات في مواجهة شخص أو سلطة، فإنّ المسؤولية الأخلاقية أوسع واشمل من دائرة القانون،
لأنها تتصل بعلاقة الإنسان بخالقه وبنفسه وبغيره، المسؤولية القانونية مقصورة على سلوك الإنسان نحو
غيره وتتغير حسب القانون المعمول به، وتنفذها سلطة خارجية، أما المسؤولية الأخلاقية فهي ثابتة ولا تتغير، وتمارسها
قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى.
وعندما تتسع الفجوة بين الأخلاق والقانون، يصبح
القانون غير ذي جدوى، لأنه فقد حاضنته الأخلاقية، حاضنته الحامية من تحوله إلى
أداة لتفتيت المنظومة الأخلاقية، وبالعكس، تصبح الأخلاق غير ذي قيمة حينما لا يعترف القانون بها.
على ضوء ما سبق يمكن لي أن أسأل، ما الذي
يحدث في المجتمع الفلسطيني ؟؟ وتجاوزا أجيب بأن ما يحدث ليس إلا أزمة خطيرة بين
الأخلاق والقانون، القانون بات عاجزا عن مواكبة الحاجات الاجتماعية الملحة، أصبح
مؤثرا في حدوده القاصرة عن كونه انعكاسا لحاجة مجتمعية، وبالمقابل باتت الأخلاق غير منضبطة إلى الحد
الأدنى من القيم والمثل، ثمة غياب وتغيب للمجتمع الأهلي الحقيقي، المجتمع الذي
يشارك ويحاسب ويربي ويصنع القانون بعد أن يكون قد عرف طريقه إلى الأخلاق الحميدة،
ما يحدث ليس إلا أزمة بين الأخلاق والقانون، أزمة تحمل نذر الخراب!!